2015-07-16
8500
بقلم/آية أبو طاقية :
نفذت نفحاتٌ مباركاتٌ، توالت فيها المُحفّزات الإلهية للتنافسِ نحو الفوز ، عُتق من صَدق، و غُفر لمن سبق، وكما في كل تنافسٍ فإنه لابد من فائزٍ يتبختر نحو الجائزة الكبرى بإقبالٍ غيرَ ذي عوجٍ أو رجعة .
ساعاتٌ ويتدافع الصائمون نحو الطقوس السنوية المُنتظرة " التكبير والتهليل والصلاة والزيارات والعيدية والألعاب والملابس"، معلنين بفِعلهم هذا بدءَ الاحتفاء بالمنحة الإلهية الثانية.
وفي زحمة التكريم ، تتراءى بعضُ المُنغّصَات التي تتعثر فيها نفوس المتعففين الذين لا يجدون في عيدهم هذا مذاقاً حلواً سائغاً شرابُه، كنُظرائهم في الشقوق الأخرى من الوطن، إنما يتحينون فيه فرصة لإحياء الألم واستعادة شعورهم بالقهر والتمييز، حيث هؤلاء تتكاثر الهموم المُثقِلات، لا حقّ بالزيارة، ولا حق بالعيدية، ولا حق بالشكوى إلا إليه.
على دقات الطبول التي أَنذرت بقربه ، ونداءات المسحراتي الذي جاء يُلملم عيديته بعد شهٍر من الدوران في شوارع الحيّ الذي لا ينام ، تهامست زينب وزوجُها الموظف صاحب الرتبة العسكرية المُعتبرة، بعد التهام ما قُدر لهم على مائدة الإفطار، يتأهبون لوداع ضيفهم خفيف الظل ، ويستقبلون من بعده جائزة الصبر، وهديةُ الصيام.
بدأت مفاوضاتُ المساءِ حول القضايا الأسرية المتشابكة إلى أن حانت ساعة الصفر، واحتدم النقاش الذي لم ينته إلا بتنافرٍ بين القطبين، في قرارته قرّر خالد أن لا يستفيض في زياراته التي يستهلُّ بها عيده كلّ عام، لقد أتاه العيد وهو في أسوأ أحواله ، كان قراره بالاعتكاف عن الزيارات حلاً مثالياً-في نظره- لا يقبل التنازل ، أما زينب فقد حاولت إقناعه بحلٍّ أكثرُ تعقيدا وتقييدا ، لقد رأت أن يفتح زوجُها -المُدان- صفحةً جديدة في الدفتر الخاص بالديون، التي تملأ بياضَه كجبالٍ راسياتٍ غير قابلة للشطب أو التمزيق.
ظلّ الرجل متمسكاً بقراره الذي ظنّ فيه حلاً جذرياً لمشكلته التي افترضها وزوجتَه دون حاجة لذلك، لقد حصر وليد زياراته الخاطفةَ القصيرةَ التي يُدخل من خلالها السعادة على أختيه وابنته وقريباته ب"العيدية" ، وظن -واهما- أن لا حاجة له بالعيد إن لم تتوفر " العيدية".
تراجعت زينب عن تقديمها لحلولٍ أخرى، سيما بعد أجواء العناد العاتية التي اختلقها الزوج في غمرة شعوره بالعجز والعوز ، قدّرت ظرفه وآثرت الانسحاب ، ثم المعاودةُ فيما بعد.
كواليس الموظف خالد مع زوجه زينب تتكرر خلف أبوابٍ كثيرة ، لتنتهي أخيراً بخلافٍ وهميّ لا طعم له أو لون.
وهنا سأقول جِهارا ومراراً ، سأوجه سطوري لكل من يقرأها ظانا بأنها ليست له ، يامن عشتم ثلاثةً من الحروب أعقبتها سلسلة من الأعياد البائسة ، يامن عمِلتم تحت خطوط النار، ألا ترون أنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم " العيدية" رمزاً ثابتا لتحري العيد، ألم يستيقنِ الذين أوذوا وصبروا وجاهدوا بأنّ الحروبَ الفائتة خلفّت دموعا أولى أن تُمسح بزيارة، وآلاماً أن تُجبر بكلمة .
أيها الموظف الكريم: أالله قرن وصلك بمال؟ ألا تعد زيارتك دونه وصلاً لرحمٍ يُدفنُ قاطعه في جهنّم؟ لا حجة لك بالتقصير ،كما لا داعي للخجل.
يا سيدي: واهمٌ من يحصرُ جمال العيد في عيديته ، واهمٌ من يظن العيد لمن في جيبه مال يوزع على العيال، واهمٌ من يدرك العيد من غير أن يشكر الناس ، يزورهم ويواسيهم ،يسعدهم ويقويهم، يخالطهم ويُرضيهم ، يقول لهم يا سادة " العيد لا يعني العيدية".
اقرأ أيضا
درسات وتقارير
الأكثر قراءة
الأقسام
روابط الموقع
مواقع صديقة
اشتراك
تواصل
جميع الحقوق محفوظة @ وزارة الإعلام الفلسطينية 2014
متابعة وتطوير وحدة تكنولوجيا المعلومات