آخر التطورات

........صحيفة "الرأي" تتوقف عن الصدور ورقياً لعدم تواصل حكومة التوافق الوطني مع وزارة الإعلام منذ توليها.
الرئيسية | آرشيف الزوايا | يوميات موظف حكومي | مفترق الشارع ..!!

2015-06-25

8466

بقلم- فلسطين عبد الكريم

ثلاثون دقيقة تفصله عن بداية الدوام، لم يستطع الشاب الوسيمُ محمود أن يتجاهل دويها الذي ينذره بضرورة التبكير، تلك السيمفونيةُ المزعجة التي ترافقه صباح مساء، فكر ملياً في ساعاتٍ عجافٍ سيقضيها حين وصوله إلى مفترق الشارع، تعاكس سٌمرته حرارة الشمس، وتصاحبه شتائم السائقين عن الشمائل وعن اليمين.

  تمالك محمود نفسه وهو الصائم عن طعامه وشرابه، كيف لا يتحمل أذى المارة ليستوفي أجره كاملا، استجمع قليلا من صبره الخشبي، وارتدى بزته الشُّرَطية التي لم تخلُ أيّا من أطرافها من جيوبٍ ملأى، لقد كانت منتفخة بورق المحارم المستعملة.

 بدأ يواسي نفسه في البحث عن بقايا راتبه المختصر، بدأ بأوعيته قبل وعاء أمه، لم يُفلح في إيجاد مراده الزهيد، وهو الذي يقتفي أثر شواقلٍ تبقت بعد توزيع راتبه على الدائنين، راودته نفسه في الخروج، لكنه لم يشأ نفاذ قواه الجسمية إلى حين الغروب.

 قرر الاستعانة بوالدته المتمددة على فراش المرض، تُمسك بمسبحتها التي ورثتها عن المرحومة، أجابته على استحياء "لو معي كان أعطيتك يا إمي"، تمنت عليه أن يطلب من عمه المجاور رغم علمها بالمكتوب، لكنها منّت نفسها بأجواء رمضان الذي يعني التكافل، راودته نفسه بالاستنكار أو حتى الرفض ، لكن!! لا بدائل متاحة.

 قرر محمود أن يغامر للمرة الأولى والأخيرة، بدأ يخطو خطواته المتثاقلة، تؤزّه الحاجة أزّا ، تقدم ببطء ليصل الدار، ويطرق الباب " يا عم ، بدي أستدين منك 20شيقل بس" ، تلوّن العم الجاحد، "معناش مصاري ياولد"، تمالك محمود نفسه، عض على شفتيه ليعلن موجة من الغضب، لكنه فكر و قدّر، ثم آثر الصمت وأجره على الله .
أغلق الشاب عينيه المنتفختين متجاهلا كل ما حدث منذ بدأ صباحه الوردي، وانطلق جريا إلى عمله ، كانت الطريق أطول مما تبدو عليه كل صباح، لعل تأخيره هو السبب، أو علّها الصدمة التي خلفت طريقا زمنيا أطول، وصل محمود ودقات قلبه تقارب الإعياء.
تسمّر في مكانه الذي لم يكد يفارقه حتى يعاوده مرة أخرى، التقط أنفاسه المتبقية ، ثم بدأ يلوّح بكلتا يديه كالمروحة، يُوقف هذا، ويُسيّر ذاك ، يضبط فلانْ، ويخالفُ المشاغبَ علان، بقي على حاله ساعاتٍ سيما وقد حالفه الحظ بانقطاع التيار الكهربائي ، وتوقُّفِ إشاراتِ المرور التي من المفترض أن تَغمز بألوانها الثلاث بدلا عن يديه المُلوحتين،
انتهت ساعات الدوام التي قُررت لمحمود، ونفذت معها صلاحية الشحنة داخلَ جسد الموظف، قالها باستكانة: لقد انتهيت.
عاود محمود طلبه الأول من زميل مهنته وصديقه أسعد، ليدينه بعضاً من الشواقل التي تسد رمقه في الوصول إلى بيته الكائن شرقا، وصل محمود إلى بيته ليغطّ في نومةً عميقة قطعتها تكبيرات المغيب، وصوت أختيه الصغيرتين "قوم افطر، حطينا الملوخية"،
انتفض محمود من فراشه ليفطر مع عائلته الصغيرة، ويحظى بدعاء الوالدة المريضة بالفرج القريب .
في انتظار الفرج....!!

اقرأ أيضا

اشتراك

تواصل

جميع الحقوق محفوظة @ وزارة الإعلام الفلسطينية 2014

متابعة وتطوير وحدة تكنولوجيا المعلومات